الثلاثاء، 3 فبراير 2009

أهمية التدخل المبكر للأطفال ذوي التحديات الحركية


أفكار للحاضر و المستقبل

 

ابراهيم عواد: رئيس وحدة التقييم و التأهيل, مركز التدخل المبكر للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة

 

ملخص:

في كل يوم يولد العديد من الأطفال الذين يعانون من مشاكل حركية و البعض قد يعاني منها لاحقاً جراء مرض ألمَّ به أو تعرضه لإصابة ما في جهازه العصبي أو الهيكلي-العضلي الأمر الذي يؤدي إلى قصور في الأداء الحركي و الإنحراف عن التطور الطبيعي للطفل في كافة مجالاته المتنوعة. 

ستسلط هذه الورقة الضوء على الأطفال ذوي التحديات الحركية و أهم مشاكلهم و ماهيةُ التدخل المبكر و أهميته لكل من الطفل و أهله و من ثم أثره على المجتمع ككل. ثم سيتم إستعراض بعض الأفكار المستقبلية لتطوير العمل في مجال برامج التدخل المبكر.

 

مقدمة:

وهب الله الإنسان بنية جسدية تمتاز بهندسة فريدة تمكنه من الوقوف منتصباً على قدميه و أودع فيه مرونة و خواص تمكنه من التنقل و التحرك بتناغم و تناسق محسوب لأداء مهارات حركية عديدة و متنوعة, ليتمكن بعد ذلك من القيام بإعمار الكون الذي يعيش فيه. لكن الأمر لا يكون دائماً على هذا النحو ففي المقابل نجد أطفالاً يعانون من قصور في أداء المهارات الحركية بسبب أمراض أصابتهم أو تعرضهم لإصابات مؤثرة في الجهاز العصبي أو الهيكلي-العضلي سواءً قبل الولادة أو خلالها أو بعدها, و هذا القصور يؤدي إلى تأخر في التطور الطبيعي للطفل ليس فقط في المجال الحركي بل و قد يمتد أيضاً إلى مجالات التطور الأخرى مثل الإدراك و النطق و المساعدة الذاتية. و إذا عرفنا أن التغير هو السمة التي أودعها الله في الكون بما يشمل الإنسان فإن ذلك يقودنا إلى أن جميع الأطفال المولودين يدخلون طور التطور لا محالة, لكن الأطفال الذين يعانون من القصور الحركي لن يتبعوا المنحى الطبيعي للتطور المتعارف عليه عند الأطفال غير المصابين. و هنا يمكننا تصور مدى الفجوة التي ستتشكل بين المنحى الطبيعي للتطور و منحى التطور الذي يتبعه أولئك الأطفال حيث تزداد هذه الفجوة إتساعاً و بعداً مع تقدم عمر الطفل و شح الخدمات التأهيلية الملائمة لهم.

إن فورة النمو الجسدي و التطور الوظيفي تكون في أوجها خلال السنين الأولى بعد ولادة الطفل و تمتد إلى 6 أو 8 سنوات من عمره حيث يكوِّن الطفل خلال هذه الفترة القاعدة الأساسية من المعارف و المهارات التي سينطلق منها لبناء شخصيته و قدراته في المجالات المختلفة. حيث ينمو معظم حجم الدماغ عند عمر الثلاث سنوات و يطور الطفل خلال السنة الأولى من عمره جميع الأنماط الحركية التي سوف يحتاجها لإكتساب أية مهارة حركية خلال كامل حياته القادمة؛ ذلك فضلاً عن المهارات الأساسية للتعلم و إكتساب اللغة و التواصل مع الآخرين. و خلال هذا كله يسعد الأهل وهم يرقبون أطفالهم يكبرون أمامهم و يتطورون.

لكن عندما يولد الطفل مصاباً ولا يكون تطوره طبيعياً كأقرانه كأن لا يتمكن من التحرك بصورة طبيعية أو لا يستطيع الجلوس و المشي أو قد تكتشف إصابته لاحقاً فإن أثر ذلك سيكون شديداً على الأهل و هم أكثر الناس المعنيين بهذا الوضع و عادةً يكون وقع الصدمة عليهم مزلزلاً و قد لا يتحملونها و يدخلون في حالة من الحزن و الشعور بالذنب و الإحباط و قد تنكر البعض منهم وجود المشكلة مما يؤخر في طلب العون و المساعدة فيؤثر سلباً على علاجها و التقليل من تفاقمها قبل فوات الأوان.

لذا فإنه لا بد من إيجاد برامج تقوم على دعم هؤلاء الأهل و توعيتهم و تعليمهم على كيفية التعامل مع أطفالهم و مجابهة التحديات القادمة بالإضافة إلى توفير الخدمات التي من شأنها الكشف المبكر عن ذوي الإحتياجات الخاصة و تقديم التأهيل الملائم لهم. و هنا يأتي دور التدخل المبكر فنحن في سباق مع الزمن و لا نملك الكثير من الوقت لنهدره من دون فعل أي شيء لتجسير الهوة بين المنحى الطبيعي للتطور و المنحى الذي يسلكه الطفل المصاب, بحيث يتم ذلك من خلال إتخاذ مجموعة من التدابير و الإجراءات الإحترازية و العلاجية الموجهة لكل من الطفل المصاب و أهله الذين يحتاجون كل جهد و دعم من كل قطاعات المجتمع و على كافة المستويات الأهلية منها أو الرسمية.  

 

 

 

من هم الأطفال ذوي التحديات الحركية:

هم الأطفال الذين يعانون من قصور في أداء وظائفهم و مهاراتهم الحركية و تطورها بشكل طبيعي

 

أهم المشاكل التي يعاني منها ذوي التحديات الحركية:

-        ضعف العضلات

-        التشوهات المفصلية

-        ضعف التناسق الحركي

-        ضعف التحكم بالقوام

-        هنالك إرتباط وثيق بين تطور قدرات الطفل الحركية و قدرته على الإدراك و التعلم

 

معلومات مهمة تتعلق بنمو و تطور الطفل الطبيعي:

-        ينشط نمو خلايا الدماغ بعد الولادة خلال ال 6-8 سنوات الأولى من عمر الطفل

-        معدل وزن الدماغ عند الولادة = 400 غم

-        معدل وزن الدماغ على عمر 18 شهر = 800 غم

-        معدل وزن الدماغ على عمر 3 سنوات = 1100 غم

-        معدل وزن الدماغ عند الكبار = 1300-1400 غم

-        يكتسب الطفل في السنة الأولى من عمره جميع الأنماط الحركية التي يحتاجها لاحقاً لتطوير أية مهارة حركية خلال حياته

-        العمود الفقري للطفل المولود يكون محدباً إلا أنه مع تطور حركات الرأس و الجذع تتكون الإنحناءات الطبيعية للعمود الفقري و تترسخ هذه العملية مع حركات الطفل ضد الجاذبية خلال الحبو و الجلوس بعد الشهر الخامس من عمره

-        درجة فتلان (Torsion) جسم عظم الفخذ بالنسبة إلى رقبة و رأس عظم الفخذ تصل عند المولود إلى 40 درجة و هي تتقلص إلى 31-35 درجة على عمر سنة ثم تستمر في النقصان مع تطور حركات الطفل لتصل عند عمر 15 سنه إلى 25-35 درجة و تصل عند الكبار إلى 5-15 درجة

-        تعاني الساق من دوران داخلي حيث يقل هذا الدوران على عمر 5-7 أشهر مع زحف الطفل على بطنه و جلوسه بعد ذلك بشكل W حيث يتخذ الطفل هذه الوضعية بالتبادل مع أوضاع الجلوس الأخرى

-        تعاني الركبتان من تقلص بوضع الثني حيث يقل هذا التقلص عند بدأ الطفل بوضع أصابع قدمه في فمه عند الشهر السادس من عمره

  • إن المعلومات السابقة الذكر تبين لنا أهمية التدخل مبكراً للإستفادة من فورة النمو عند الطفل بعد الولادة و خلال السنوات الأولى من عمره
  • إن ماسبق ذكره يبين لنا بأن كل الأطفال يولدون و هم يعانون من بعض المشاكل الحركية التي ما تلبث أن تتعدل مع تطور الطفل. و إذا لم يسلك الطفل المنحى الطبيعي للتطور فإن هذه المشاكل الحركية سوف لن تتعدل و ستقف عائقاً أمام إكتسابه لمهارات حركية جديدة و بالتالي ستؤدي إلى قصور وظيفي حركي.

 

أهم القضايا التي تشغل أهالي الأطفال ذوي التحديات الحركية و المهتمين بهم:

-        تأخر التشخيص و الكشف المبكر

-        قلة الإهتمام الكافي بتقديم الدعم للأهالي لمساعدتهم على مجابهة الصدمة بحالة طفلهم و تقديم الإرشاد اللازم لهم لتخطي هذه المحنة

-        العديد من الأهالي لا يعلمون إلا النذر اليسير عن حالة أطفالهم

-        ندرة مراكز التدخل المبكر التي تقدم خدمات تأهيل شاملة

-        ضعف نظام الإحالة بين المراكز و المستشفيات

-        الكثير من الأهالي يتسوقون الخدمات لأطفالهم دون التركيز على خطة ثابتة لعلاج و تعليم الطفل

-        بعض الأطفال يتلقون الخدمات من أكثر من مركز أو مستشفى مما يزيد ضغط العمل عليها و يقلل الفرص أمام أطفال آخرين و يحرمهم من تلقي أية خدمة

-        قلة مصادر المعلومات المتاحة باللغة العربية للأهالي و المهتمين حول التدخل المبكر و الإعاقات المختلفة

 

ما هو التدخل المبكر:

هو منظومة متكاملة من الاجراءات و السياسات الواجب اتباعها على كافة الصعد و المستويات سواءً الحكومية منها أو الأهلية لإتحاذ التدابير اللازمة فور الاحساس بوجود مشكلة ما قد تعوق الطفل عن القيام بنشاطاته الحياتية اليومية بشكل طبيعي مثل أقرانه الآخرين.

 و هذه التدابير تعني بالضرورة تكاتف جهود الأهل مع المختصين لفحص الطفل و الكشف المبكر عن المشكلة اذا وجدت و منع أو تقليل تداعياتها المستقبلية قدر الإمكان مع الأخذ بعين الإعتبار أهمية دعم المختصين للأهل منذ البداية و العمل معهم كشريك أساسي في العملية التأهيلية لأطفالهم من ذوي الإحتياجات الخاصة لتنمية قدراتهم المعرفية و مهاراتهم العملية في مختلف مجالات التطور الطبيعي بهدف تحسين نوعية الحياة لديهم.

 

إن فكرة التدخل المبكر تقوم أساساً على مايلي:

-        جميع الأطفال لديهم إمكانية للتطور بغض النظر عن القصور الذي يعانون منه

-        لكي يتمكن الطفل من التطور لابد أن تتاح له الفرص الملائمة

-        إن السنوات الأولى من عمر الطفل هي من أكثر الأوقات حرجاً في حياة الطفل حيث تكون فيها فورة النمو و التطور على أشدها لذا لا بد من إستثمار هذه الفترة و عدم إغفال أهميتها

-        الأهل هم الركيزة الأساسية في تأهيل الطفل

 

تعريف خدمات التدخل المبكر:

          هي تلك الخدمات المقدمة للأطفال حديثي الولادة و حتى سن ما قبل المدرسة و المصنفين على أنهم متأخرين أو مهددين بالتأخر عن مراحل التطور الطبيعي للطفل, كما تشمل هذه الخدمات عائلات هؤلاء الأطفال.

 

فوائد التدخل المبكر:

        توفير الخدمات التأهيلية الشاملة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

        منع المضاعفات الثانوية مثل التشوهات المفصلية, التي غالباً ما تحدث نتيجة نمو و تطور الطفل مع الاعاقة.

        توفير المعينات الطبية اللازمة للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة

        توفير الإستشارات و الدعم اللازم للأهل.

        تحسين نوعية الحياة لذوي الإحتياجات الخاصة.

        زيادة الإنتاجية عند الأفراد في المجتمع.

        توفير الموارد المالية على المستوى الفردي و الوطني.

        توفير المعلومات و الإحصاءات فيما يتعلق بذوي الإحتياجات الخاصة.

        توفير مصدر تدريب للإختصاصيين و الباحثين و كذلك الطلاب في مجال تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

ماهي الجدوى الإقتصادية للتدخل المبكر:

حتى هذا التاريخ لم تتوفر لدينا أية دراسة في منطقتنا العربية تبحث في هذا الموضوع. لكن هنالك أمثلة على بعض الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية تدل على أن برامج التدخل المبكر توفر على المجتمع أضعاف ما يصرف عليها. (Schweinhart and Weikart, 1980) , Wood (1981)  

(Snider, Sullivan, and Manning, 1974) وجد أن مقابل كل دولار يصرف على برامج التدخل المبكر يتم توفير 7 دولارات خلال 3 سنوات (McNulty, Smith, and Soper, 1983). وجد أنه مقابل كل دولا يتم توفير 4 دولارات

 

أفكار للمستقبل:

-        إيجاد تشريعات قانونية تكفل للأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة و أهاليهم حقوقهم الكاملة كأي طفل غير مصاب بما في ذلك التعلم في المدارس العامة و الخاصة

-        لا بد لهذه التشريعات من آليات عمل واضحة لضمان لتطبيقها

-        تشجيع الأهالي و دعمهم لعمل مجموعات دعم متخصصة

-        تشجيع القطاع الأهلي و دعمه لتأسيس مراكز متخصصة ببرامج التدخل المبكر تتوزع على رقعة السلطنة

-        تطوير البرامج القائمة حالياً ليتسنى لها تقديم خدمات شاملة للأطفال و أهاليهم بحيث تتضمن خطط فردية لكل طفل و خطط لدعم و إرشاد الأهل

-        تنسيق الجهود بين المراكز و الجهات المعنية

-        تأسيس مراكز متخصصة للكشف المبكر

-        إصدار معلومات و إرشادات باللغة العربية للأهالي و المهتمين تتحدث عن التدخل المبكر و كيفية التعامل مع الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة

-        تشجيع و دعم البحث العلمي في هذا المجال

 

 

المراجع:                                                                        References:

1-     Catherine Eid, S/LT, 2005, The importance of early intervention.

2-     Jayne Clapton and Jennifer Fitzgerald , 2004, Renaissance magazine Vol.7 No.1

3-     Shumway-Cook, Anne, 2001, Motor Control: theory and practical applications. Lippincott Williams & Wilkins

4-     Charles T. Leonard, PT, Phd, 1998, The Neuroscience of human movement, Mosby-Year Book, Inc.

5-     Maria Stokes, Phd, 1998, Neurological Physiotherapy. Mosby International Limited

6-     Margaret H. Briggs, Phd, 1997, Building Early Intervention Teams. Aspen Publishers, Inc.

7-     Mary Keen, MD, JPO , 1993 Vol. 5, No. 2

8-     Beverly D. Cusick, M.S., P.T., 1990, Progressive Casting and Splinting for Lower Extremity Deformities in Children with Neuro-motor Dysfunction. Therapy Skill Builders 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق