الاثنين، 21 مارس 2011

الشلل الدماغي

ابراهيم عواد: رئيس وحدة التقييم و التأهيل, مركز التدخل المبكر للأطفال ذوي الإعاقة
الشلل الدماغي هو اصطلاح لوصف مجموعة من الاضطرابات المزمنة الناتجة عن أذية مستقرة و غير متطورة للدماغ غير الناضج للطفل, و هذه الأذية يمكن أن تحدث في أي وقت خلال فترة الحمل أو خلال الولادة أو بعد الولادة إلى عمر ما دون السنتين (ArchieHinchcliffe) الأمر الذي يؤدي إلى مجموعة متنوعة من الإختلالات في السيطرة الحركية و القوام, و لا تزيد الأذية الدماغية التي سببت الاضطرابات مع الوقت لكن نمط الإختلالات في السيطرة الحركية و مظاهرها هو الذي يتغير.
إن الإختلالات الحركية و السيطرة على القوام يمكن أن تتغير و تتطور, فهي تتحسن بالتعامل الحركي الجيد مع الطفل منذ البداية و الحرص على وضعه في أوضاع جيدة تناسب مراحل تطوره و نموه و تحد من تأثير الجاذبية الأرضية بسحبه إلى جهة من جسمه على حساب الجهة الأخرى, و العكس صحيح حيث تسوء حالته و تتدهور إذا أسأنا التعامل معه و تركناه يتخذ الأوضاع التي تفرضها عليه الإختلالات الحركية و التوترات العضلية غير الطبيعية التي يعاني منها مما يؤدي إلى تقلص في بعض العضلات و تشوهات مفصلية مختلفة و هذا كله يؤثر سلباً على نمو عضلات الطفل و قدرته على الحركة و التفاعل مع البيئة المحيطة به, و في النهاية يمنع الطفل من الاعتماد على نفسه في عدة مجالات لاسيما الحركي منها.
أسباب الشلل الدماغي و عوامل الخطر بالإصابة
الشلل الدماغي ليس مرضاً واحداً له سبب واحد معين, إنما هو - كما ذكر سابقاً- مجموعة من الاضطرابات تشترك فيما بينها بإختلالات في السيطرة الحركية, إلا أن هذه الإختلالات تتخذ عدة أشكال متنوعة و كذلك هي الأسباب فهي متعددة و متنوعة و لكن المتفق عليه هو أن هنالك أسباب قبل الولادة و أسباب خلال فترة الولادة و أخرى بعد الولادة.
أسباب ما قبل الولادة:
- التشوهات الخلقية في الدماغ
- الالتهابات أثناء الحمل و منها إصابة الأم بالحصبة الألمانية أو بداء القطط Toxoplasmosis أو التهابات في المشيمة
- التوائم و خصوصاً الأكثر من اثنين
- تعرض الأم إلى ضربة على البطن
- تعرض الأم إلى نزيف في الرحم
- معاناة الأم من زيادة إفراز الغدة الدرقية أو التخلف العقلي أو الصرع
- تعاطي الأم للأدوية أو الكحول أو المخدرات و كذلك التدخين
أسباب خلال فترة الولادة:
- الولادة المبكرة قبل اكتمال فترة الحمل. أقل من 32 أسبوع
- انخفاض وزن المولود. أقل من 2,5 كغم
- التفاف الحبل السري حول عنق الطفل مما يؤدي إلى اختناقه
- تعرض المولود إلى ضربة على الرأس
- تكسر خلايا الدم نتيجة لعدم توافق العامل الرايزيسي لدم الأم و الجنين
- ولادة المقعدة حيث يكون الطفل مقلوباً بحيث تخرج مؤخرته أولاً عند الولادة بدلاً من رأسه.
أسباب ما بعد الولادة:
- ضربة على الرأس
- الالتهابات مثل التهاب السحايا
- الجلطة الدماغية
- نزيف داخل الجمجمة
- الصفار, في بعض الحالات التي يزداد فيها تركيزه و يتجاوز الحد المسموح به خصوصاً إذا بقي الطفل من غير علاج.
v لقد شاع الاعتقاد سابقاً أن نقص الأكسجين خلال الولادة هو سبب الإصابة بالشلل الدماغي, الأمر الذي يدفع الأهل إلى إلقاء اللوم على الأطباء و اتهامهم بالإهمال. و قد تم في هذا الشأن - نتيجة لدراسات أجريت حول الموضوع - الكشف بان معظم الأطفال الذين يعانون من نقص في الأكسجين أو الاختناق خلال الولادة كانوا قد تعرضوا لأذية دماغية خلال فترة الحمل, و في هذه الحالة تكون الولادة صعبة و متعسرة لأن الطفل لا يستطيع الحركة بشكل طبيعي ليحفز و يساعد في عملية الولادة. و هذا هو الذي أدى إلى الاعتقاد الخاطئ بأن عسر أو صعوبة الولادة هي السبب الذي أدى إلى الاختناق أو نقص الأكسجين بينما هي في الواقع نتيجة لإصابة الطفل بالشلل الدماغي خلال فترة الحمل قبل الولادة ( Pellegrino, 1995 ).
v بالرغم مما سبق ذكره من أسباب إلا أن معظم حالات الشلل الدماغي لا زالت مجهولة السبب
علامات و أعراض الإصابة بالشلل الدماغي
تظهر علامات و أعراض الإصابة بالشلل الدماغي قبل سن 3 سنوات من عمر الطفل, و غالباً أول من يكتشفها الطبيب الذي يفحص الطفل بعد الولادة و الأهل الذين يلاحظون تطور طفلهم بشكل غير طبيعي. و من هذه العلامات ما يلي:
- جسم الطفل مرتخي, و الذي يمكن أن يتصلب لاحقاً بسبب تشنج العضلات أو يصبح غير متزن أو يصدر عنه حركات تخبطية لا إرادية.
- قصور في التحكم برأسه
- قصور الطفل في مد يده للوصول إلى الألعاب أو يكون بطيئاً جداً في ذلك
- قصور في التقلب أو الحبو و هو مستلقياً على الأرض
- قصور في الجلوس بنفسه
- قصور في الوقوف و المشي
- قصور في تفاعل الطفل بشكل جيد مع الآخرين
- ربما يعاني من مشاكل أخرى مثل مشاكل سمعية أو بصرية أو ذهنية أو نوبات صرع
أنواع الشلل الدماغي
ينقسم الشلل الدماغي حسب طبيعة الإصابة إلى 4 أنواع:
1- الشلل الدماغي التشنجي أو التيبسي Spastic : يغلب على هذا النوع تشنج العضلات و تقلصها مما يؤدي إلى محدودية في الحركة مع تشوهات مفصلية خصوصاً في الأطراف السفلية، و يتميز بالزيادة المستمرة للتوتر العضلي عند الحركة أو البكاء أو أي إنفعال عاطفي.
2- الشلل الدماغي التخبطي أو الالتوائي أو الكنعي Athetoid: نادراً ما نجد هذا النوع من الشلل الدماغي منفرداً و الشائع أن يكون مترافقاً مع أنواع أخرى و يتميز هذا النوع بالحركات اللاإرادية و غالباً تكون كالحركات الراقصة، كما يتميز بالتغير المستمر في التوتر العضلي في جسم الطفل.
3- الشلل الدماغي الرنحي أو اللاتوازني Ataxic: يغلب على هذا النوع ضعف التناسق الحركي و عدم التوازن، و يتميز بالتردد المستمر في التوتر العضلي.
4- الشلل الدماغي المختلط Mixed حيث يجتمع أكثر من نوع عند نفس الطفل
هنالك تصنيفات أخرى مرتبطة بنوع الشلل الدماغي كشدته مثلاً التي تتراوح بين بسيط و متوسط و شديد و كذلك تصنيف آخر حسب المكان المتأثر في الجسم و هي على النحو التالي:
- شلل رباعي: في هذا الشكل تكون الأطراف الأربعة متأثرة بالشلل الدماغي
- شلل شقي: و يتأثر فيه الشق الأيمن أو الأيسر من الجسم
- شلل ثنائي: و في هذا الشكل تكون الأطراف السفلية أكثر تأثراً من الأطراف العلوية
أرجو أن أنوه هنا بأن بعض المراجع تورد تصنيفات أخرى مثل الشلل النصفي أو الأحادي أو الثلاثي, لكن بالنظر لهذه المراجع نجد أن معظمها صادر عن كتاب أو مؤلفين غير مختصين في الحقل الطبي ذا العلاقة بالشلل الدماغي. فمن واقع العمل الميداني و القراءات المتعددة في هذا المجال لم نجد أساساً عملياً لهذه التصنيفات الزائدة التي قد نجدها بالفعل في اضطرابات أو أمراض غير الشلل الدماغي أما إذا كنا نتحدث في مجال الشلل الدماغي فلا وجود فعلي للشلل النصفي و الأحادي و الثلاثي.
تشخيص الشلل الدماغي
يقوم الأطباء بتشخيص الشلل الدماغي من خلال:
استعراض السيرة المرضية للطفل و أهله
الفحص السريري, حيث يفحص الطبيب ردود الأفعال الأولية التي يلاحظ بعضها عند الطفل منذ ولادته ثم تختفي بعد أشهر ليحل محلها ردود أفعال جديدة, حيث يختفي معظمها بعد السنة الأولى من حياة الطفل. و كذلك يفحص مستوى تطور المهارات الحركية عند الطفل مثل قدرته على رفع رأسه من أوضاع مختلفة و التقلب و الزحف و الجلوس و الوقوف و المشي بحيث يقيم شكل و نوعية هذه المهارات الحركية. و يقارن ذلك كله بما هو متعارف عليه عند الطفل الطبيعي.
ملاحظة تفضيل الطفل لاستخدام إحدى يديه بشكل يطغى على الأخرى, حيث أن المعروف بأن الطفل لا يطور هذه المهارة إلا بعد 12 شهر من عمره, فإذا لوحظ ذلك قبل ذلك يمكن أن يعد كعلامة لوجود مشكلة حركية قد تكون ناجمة عن الشلل الدماغي
الخطوة التالية هي أن يقوم الطبيب باستبعاد الأمراض و الاعتلالات الأخرى مثل أمراض العضلات و أورام الجهاز العصبي. و يتنبه خصوصاً إذا كان المرض أو الأذية الدماغية تزداد سوءاً أم لا, حيث أنه من التعريف السابق نجد أن الأذية في الشلل الدماغي لا تزداد سوءاً و لكن تتغير مظاهره بتطور الأنماط الحركية عند الطفل.
يمكن أن يطلب الطبيب إجراء صور أشعة مقطعية للدماغ CT scan أو صور الرنين المغناطيسي MRI , أو صورة بالأمواج فوق الصوتية Ultrasonography و هذه الصورة عادة تعمل للطفل قبل أن تنغلق عظام الجمجمة نهائياً و تتصلب
يمكن أن يطلب الطبيب عمل تخطيط للدماغ EEG في حال وجود نوبات صرع عند الطفل
في حال ملاحظة الطبيب وجود مشاكل بصرية أو سمعية يقوم بتحويل الطفل للمختصين في هذه المجالات للفحص و الاستشارة
الوقاية من الشلل الدماغي
إن العديد من أسباب و عوامل الخطر بالإصابة بالشلل الدماغي يمكن تفاديها أو علاجها مثل:
- الضربة على الرأس, حيث يمكن تفاديها بزيادة الحرص خلال عملية التوليد و بعدها ً لمنع حوادث سقوط الطفل على الأرض أثناء حمله.
- الصفار الذي يصيب بعض المواليد يمكن تداركه و علاجه منذ البداية في الوقت المناسب قبل أن يستفحل و يصل تركيزه في الجسم إلى مستوى عالي و خطر على الدماغ.
- تكسر خلايا الدم الناتجة عن عدم توافق العامل الرايزيسي للأم و المولود أي أن يكون دم الأم سالب و الجنين موجب مثلاً, يمكن تفادي هذه المشكلة بعمل فحص مسبق للزوجين و بالتالي يسهل معرفة وجود عدم التوافق هذا, الذي يعالج ببساطة بإعطاء الأم الحقنة التي تعالج هذه المشكلة بعد كل ولادة.
- إصابة الأم بالحصبة الألمانية, يمكن معالجتها بتحصين الأم من خلال إعطائها المصل المضاد للحصبة الألمانية.
بالإضافة إلى الأمثلة السابقة يجب العناية بصحة الأم الحامل و تغذيتها بصورة جيدة و متوازنة.
علاج الشلل الدماغي
يجدر التوضيح هنا بأنه حتى الآن لا يوجد شفاء تام من الشلل الدماغي و لكن هنالك إجراءات علاجية تعمل على تحسين قدرات الطفل و التقليل من المضاعفات الثانوية التي تنجم عادةً عن الإصابة بالشلل الدماغي.
من الضروري هنا الإشارة إلى أن الطفل الطبيعي يبدي كماً كبيراً و متنوعاً من الأنماط الحركية و هو لا يزال جنيناً خلال فترة الحمل, و بعد الولادة عندما يصبح خارج الرحم الذي كان يسبح فيه يصبح لزاماً عليه أن يتعلم كيفية تنسيق حركاته و التحكم بها ليتمكن من التعامل بشكل جيد مع الجاذبية الأرضية التي أصبحت تعيقه و تسيطر على تحركاته, فيجب أن يتعلم كيف يوازن جسمه و كيف يمد يديه و يمسك بالأشياء من أوضاع مختلفة و ذلك لكي يتمكن من الحركة و التنقل من مكان إلى آخر و عادةً يكتسب هذه المهارات من خلال التجربة و الخطأ وبينما يخوض غمار هذه التجربة المثيرة يقوم دماغه بتسجيل ما يحدث و يخزن كافة الأحاسيس التي يتأثر بها و يتلقاها من البيئة المحيطة و يستفيد منها لتطوير حركات جديدة و تحسين قوام الجسم بأوضاع مختلفة و يترافق ذلك طبعاً بنمو كبير للدماغ حيث أن معظم حجم الدماغ يتم تكوينه خلال السنة الأولى من عمر الطفل و هنا تكمن أهمية برامج التدخل المبكر في مثل هذه الحالات حيث أنها الأكثر فاعلية في تأهيل الطفل و تحسين قدراته خلال مراحل التطور المختلفة و الحد أو التقليل من أية مضاعفات ثانوية.
و من المهم هنا التأكيد على ضرورة و جود فريق متكامل من العاملين في حقل التأهيل من مختلف الاختصاصات يعملون معاً و يتعاملون مع الأهل كشريك أساسي في تأهيل الطفل المصاب بالشلل الدماغي.
تتضمن البرامج التأهيلية المقدمة للأطفال المصابين بالشلل الدماغي في غالبها ما يلي:
  • الفحوصات و الرعاية الطبية الدورية
  • العلاج الطبيعي
  • العلاج الوظيفي
  • علاج النطق و اللغة
  • علاج و تعديل السلوك
  • توفير أجهزة المشي و الجبائر البلاستكية للأطراف العلوية و السفلية
  • توفير المعينات التأهيلية الأخرى مثل الكراسي المتحركة و أجهزة الوقوف
  • العقاقير الطبية مثل أدوية الصرع إذا كان الطفل يعاني منه, و هنالك بعض العقاقير الطبية التي تستخدم في بعض الأحيان لتقليل التشنج العضلي و قد يؤخذ بعضها على شكل حقن مثل إبر البتوكس في العضلات لكن مفعولها يكون لبضعة أشهر فقط.
  • العمليات الجراحية التي قد يحتاج الطفل للخضوع لإجراءاتها و ذلك لتطويل أوتار العضلات أو لتصحيح التشوهات المفصلية.
و في النهاية نقول بأن كل طفل مصاب بالشلل الدماغي له وضعه الخاص به و قد تختلف مشاكله عن غيره من الأطفال المصابين و يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تكون البرامج التأهيلية المتعلقة بالطفل شاملة و تنظر إلى الطفل ككل متكامل و لا تتعامل فقط مع المعطيات الظاهرة كالتشوهات المفصلية أو التشنجات العضلية و ضعف السيطرة الحركية بل تتعدى ذلك إلى ما وراء هذه الأعراض من مشاكل في العمليات التفكيرية في الدماغ و القدرة على استقبال المثيرات البيئية و ترجمتها و إدراكها القدرة على التعامل معها بتفاعل و إيجابية, و هنا لا بد من التأكيد على المشاركة الفاعلة للأهل إذ لا يقتصر علاج الطفل على تلقي جلسة علاجية في المستشفى أو المركز و إنما يحتاج الأمر إلى متابعة حثيثة بنقل العلاج و الأفكار العلاجية إلى المنزل و تطبيقها على كافة النشاطات الحياتية اليومية للطفل سواءً كان ذلك أثناء اللعب أو الأكل أو الجلوس أو الإستلقاء أو تغيير الملابس و حتى في كيفية استحمام الطفل, فعملية العلاج هي عملية مستمرة و تتطلب الكثير من الجهد, و هنا لا بد أن ننوه إلى أهمية دور الأهل في إنجاح البرامج العلاجية الموجهة لأطفال الشلل الدماغي و ضرورة أخذهم بعين الاعتبار و إشراكهم في التخطيط لأي برنامج علاجي يخص طفلهم و تقديم الدعم اللازم لهم.
المراجع:
1- Archie Hinchcliffe (2003), Children with cerebral palsy: a manual for therapists, parents and community workers, ITDG Publishing
2- Katherine T. Ratliffe (1998), Clinical Pediatric Physical Therapy: a guide for physical therapy team, Mosby, Inc.
3- N Hare, S Durham & E Green (1998), Neurophysiological Physiotherapy, Mosby International Linited
4- Miller, F., & Bachrach, S.J. (1998). Cerebral palsy: A complete guide for caregiving, Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press.
5- Barry S. Russman, MD; Ann Tilton, MD; Mark E. Gormley, Jr, MD
MF Brin, MD (1997), Cerebral Palsy: Patient Assessment and Treatment Planning, Muscle Nerve, John Wiley and Sons, Inc

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق